بقلم: د. أحمد علي باصلاح

الطباعة ثلاثية الابعاد وتطبيقاتها الطبية

احصل على العرض

 

بقلم: د. أحمد علي باصلاح

أستاذ مساعد - قسم الهندسة الميكانيكية - جامعة أم القرى

 

شهدت العقود الأخيرة تصاعداً لحركات "الصناع المستقلين" حول العالم، والتي تُعنى بتمكين المستهلك من امتلاك أدوات الإنتاج اللازمة ليصنع البضاعة التي تلائمه هو شخصياً، حتى من دون الحاجة للرجوع لبضائع الشركات الكبرى المُصنعة بكمياتٍ ضخمةٍ قد لا تكون مناسبةً لمتطلبات الجميع، ولقد استغل هذا الحراك الشعبي عدة تقنياتٍ حديثةٍ كالبرامج والمعدات المفتوحة المصدر والطباعة الثلاثية الأبعاد، وهي موضع حديثنا اليوم. وتُعرف "الجمعية الأمريكية للاختبار والمواد" الطباعة ثلاثية الأبعاد (وتسمى علمياً بالتصنيع بالإضافة) بأنها عملية ضم جزيئات المواد لبعضها لتكوّن نموذجاً ثلاثي الأبعاد بالاعتماد على البيانات الرقمية للنموذج، وتتم العملية عادةً بوضع طبقات المادة فوق بعضها بعكس طرق التصنيع التقليدية او التصنيع بالقطع، ولقد بدأت التطبيقات المختلفة للطباعة الثلاثية الأبعاد بالتغلغل في الكثير من الصناعات، سواءً لصنع النماذج الأولية أو لتصنيع المنتجات النهائية.

 

لقد أثبتت الطباعة ثلاثية الأبعاد إمكانياتها الواعدة بالفعل في عدة مجالاتٍ، حيث تُجري أبحاثٌ كبيرةٌ اليوم لتطوير استخدامها في بناء المنازل والجسور في صناعة التشييد، إنتاج قطع الصواريخ الفضائية والطائرات في صناعة الطيران، وحتى لصنع المواد النانوية الداخلة في صناعة الأدوية والمواد الكيميائية. ولكن حديثنا هنا اليوم سيكون عن قطاعٍ محددٍ وهو الصناعات الطبية وطب الأسنان، ففيه العديد من التطبيقات للطباعة ثلاثية الأبعاد التي يمكننا أن نصنفها على ثلاثة مستوياتٍ متزايدةٍ في التعقيد والدقة.

 

بناءً على ذلك، يرى الخبراء أن أول مستوى في البساطة هو صنع نماذج ثلاثية الأبعاد غير الحية لأعضاء جسم الانسان، والتي تساعد الجراحين للتخطيط للعمليات الجراحية عبر محاكاة العضو المُراد إجراء العملية الجراحية عليه، ولقد بدء هذا التطبيق مبكراً في بداية الألفية الثانية وبالتحديد عام ٢٠٠٣مـ، حيث استخدمت هذه الطريقة في عملية فصل التوأمين السياميين المصريين محمد وأحمد بمدينة دالاس الامريكية، وذلك نظراً لتعقيد العملية والتصاق جمجمة الطفلين، ما دفع الأطباء لطباعة نموذجٍ يحاكي جمجمةً تحتوي على الأوعية الدموية وهو ما سهل إجراء العملية الجراحية كثيراً، ولقد استفاد أطباء التجميل ايضاً من صنع نماذج للمرضى الذين سيخضعون للعمليات الجراحية، ليعطوا المريض تصوراً أولياً من خلال طباعة نموذجٍ يحاكي الشكل الجديد للعضو حتى قبل اجراء العملية.

 

أما في المستوى الثاني لتطبيقات الطباعة ثلاثية الأبعاد فنجد طباعة الأجهزة والمعدات الطبية، ويمكننا أن ندرج هنا الكثير من هذه الأجهزة، كالأجهزة المساعدة على السمع والأطراف الاصطناعية المخصصة للمريض نفسه، بالإضافة إلى الاستعاضات العظمية في الركب ومفاصل الفخذ الصناعية، وصولاً لأكثر هذه الاجهزة تعقيداً كالمحرك المجهري الذي يدفع الحيوانات المنوية لتلقح البويضة الذي أعلن عنه العام الماضي بألمانيا. أما في طب الاسنان فنجد أن لتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد عدة مزاياً تجعلها متفوقةً على نظيرتها من التقنيات التقليدية، حيث تستلزم الطرق التقليدية الكثير من الوقت والجهد لإنتاج معداتٍ تقويميةٍ مخصصةٍ على أبعاد فم مريضٍ ما، بينما نجد أن الطباعة ثلاثية الأبعاد على الكفة الأخرى يسرت الحصول على هذه الأبعاد بكل يسرٍ، حيث يُستخدم ماسحٌ ضوئيٌ ثلاثي الأبعاد وترسل صوره إلى الطابعة لطباعتها بدقةٍ عاليةٍ، ما يعطي تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد القدرة على التحكم في خواص الزراعات السنية المطبوعة لتمتلك خواصاً فيزيائيةً مشابهةً لعظم فك المريض، وهناك الكثير من الأجهزة غيرها التي يصعب حصرها في هذه السطور القليلة.

 

على المستوى الثالث والأكثر تقدماً وتعقيداً نجد مجال هندسة الأنسجة والطب التجديدي، والذي یتشارك فیه

تخصصات متعددة في إعادة إنتاج وتأھیل أنسجة حیة لإستعاضتھا بدلاً من انسجة تالفة مما يمهد لطباعة أعضاءٍ بشريةٍ كاملةٍ باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد. حيث ان الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب تقنياتٍ بالغة التعقيد وعالية الدقة في تصنيع الهياكل الحيوية ولتخصيصها للمريض والذي وفرته تقنية الطباعة ثلاثية الابعاد، حيث تستخدم الطابعات الخلايا الحية كحبرٍ لصنع هيكلٍ للأنسجة الحيوية وما فيها من أوعيةٍ دمويةٍ دقيقةٍ، ويمثل هذا المستوى المُتقدم المستقبل العلاجي للكثير من الأمراض المُزمنة، والحل الوحيد لتوفير أعضاء بديلةٍ للمرضى المدرجين على قوائم الانتظار للزراعة.

 

يعتقد كثيرٌ من الباحثين في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد أن التطبيقات الطبية ستكون العجلة الدافعة لتطورها، خاصةً لما يميزها من تخصيصٍ للمنتج المطبوع المتغير بحسب حالة المريض.

Collecting Data in Real Time